تعتبر مرحلة الطفولة المتوسطة والطفولة
المتأخرة من المراحل التي تحتاج ألي الاهتمام الكبير من قبل المربيين والباحثين لأنها
المرحلة الانتقالية الحرجة في مسار النمو , وهي التي تبرز فيها المشكلات التي تحول
بين إشباع مطالب النمو وتحقيق التوافق النفسي .
وهذه المرحلة تمتد من السن السادسة حتى
الثانية عشر , حيث تعتبر نهاية هذه المرحلة بداية مرحلة البلوغ والمراهقة , وفيما يلي
يوضح الباحث خصائص النمو في النواحي الحركية والحسية واللغوية والانفعالية والاجتماعية
, باعتبار أن نتاج هذه المرحلة من العمر يؤثر تأثيراً فعالاً على الطفل مستقبلاً .
النمو الحركي :
" يبدأ النمو الحركي واضحاً في مرحلة
الطفولة المتوسطة والطفولة المتأخرة , فنجد أن الطفل يواصل حركته المستمرة فلا يستطيع
أن يظل فترة طويلة في سكون , فنجده يجري ويقفز ويلعب الكرة وينط الحبل , ويستطيع طفل
هذه المرحلة ركوب الدراجة ويمارس الألعاب المنظمة ".
" ويستمر نمو العضلات مع زيادة سيطرة
الطفل على العضلات الكبرى , بينما لا تتم السيطرة على العضلات الصغرى إلا في سن الثامنة
, وتعتبر هذه الفترة هي فترة اكتساب عدد كبير من المهارات الحركية حيث يمارس الطفل
الأعمال اليدوية ويشارك في عدد كبير من الألعاب ".
" تلعب المهارات الحركية دوراً هاماً
في نجاح الطفل في مرحلة الطفولة المتأخرة سواء في أداء نشاطه المدرسي أو في لعبه مع
غيره من الأطفال , ولذلك فان الطفل الذي يكون نموه الحركي أقل من أقرانه من الأطفال
يشعر عادة بالعجز والضعف , وقد ينسحب من الجماعة , وتتكون لديه اتجاهات سلبية نحو نفسه
ونحو الحياة الاجتماعية , وحين تتهيأ للطفل الفرصة فأنه يشارك في النشاط الحركي بمختلف
أنواعه ".
" ونظراً لنشاط الطفل الزائد وعدم
استقراره , لا يستطيع الطفل في بداية هذه المرحلة الاستمرار في عمل لمدة طويلة , وإن
كانت الحاجة ملحة لتنظيم أوقات الطفل لـه وتوزيعها بين الراحة واللعب لرغبة الطفل في
اللعب المستمر وبذل النشاط" .
وتظهر الفروق بين الجنسين في بعض المهارات
الحركية فتتميز الذكور بالحركات العنيفة كالجري ولعب الكرة , والإناث تتميز بالمهارات
الدقيقة كالخياطة والرسم , "وقد أشارة دراسة ( كراتي Cratty)على أن البنات يتفوقن على الأولاد في القفز على قدم واحدة فوق مربعات
مرسومة على الأرض , وان الخصائص الحركية البسيطة والمركبة تختلف إلى المدى الذي يتطلب
من الطفل أداء حركات مستقيمة دقيقة , أو حركات متجهة إلى أعلى , أو حركات عرضية طويلة
, فالأولاد ما بين 6- 12 سنة يتفوقون على البنات في ذلك , في حين أن البنات تبدو أحسن
من الأولاد في الوثب والرقص والتي تتطلب منهن الدقة والاتساق في أداء الحركات"
.
النمو الحسي :
ينمو الإدراك الحسي خلال مرحلة الطفولة
المتأخرة عن المرحلة السابقة , فطفل هذه المرحلة يستطيع أن يدرك الألوان وان يدرك أشكال
الحروف الهجائية ويستطيع تقليدها , " ويتفوق أطفال هذه المرحلة تفوقاً كبيراً
في حساسيتهم اللمسية على الأطفال الكبار , وقد اثبت ( سبيرمان Spearman )في بحوثه
أن الطفل الصغير في سن 6 مثلاً يضارع الطفل الكبير في سن ( 10) مثلاً في الحساسية العضلية
ولا يكاد يقل عن الراشد .
" ويتميز الأبصار في الطفولة المتأخرة
بطول النظر , فيرى الطفل الكلمات الكبيرة والأشياء البعيدة بوضوح أكثر من رؤيته للكلمات
الصغيرة والأشياء القريبة , ولذلك يلاحظ أن الأطفال يعانون في هذه المرحلة من صعوبة
في القراءة , ويبدلون جهداً كبيراً في رؤية الكلمات الصغيرة وفي إخضاع العين للرؤية
القريبة , ويصابون بالصداع أحياناً نتيجة الجهد الذي يبدلونه في القراءة ".
أما السمع فلا يبلغ أقصى قوته من حيث تمييز
شدة الصوت في سن السادسة أو السابعة , ولذلك لا يستطيع الطفل أن يتذوق اللحن الموسيقي
المعقد , وان كان من المؤكد انه يتذوق الإيقاع ويطرب لما فيه من انسجام وتنغم بسيط
, على أن القدرة على تمييز المقامات الموسيقية تتقدم تقدما مطردا حتى سن 11))
".
النمو اللغوي :
" باتساع عالم الطفل يكتشف أن الكلام
أداة هامة في السلوك الاجتماعي , ويدفعه ذلك إلى إتقان الكلام , وكذلك يتعلم أن الصور
البسيطة من الاتصال مثل الصراخ والإيماءات ليست مقبولة اجتماعياً ويعطيه هذا حافزاً
إضافياً لتحسين قدرته على الكلام , ويتوقف النمو اللغوي في هذه المرحلة على عوامل كثيرة
منها المستوى العقلي والمركز الاجتماعي والاقتصادي والجنس , وبالنسبة للجنس يلاحظ أن
الذكور اقل من الإناث في المحصول اللغوي وفي صحة بناء الجمل وفي القدرة على التعبير
عن المعاني كما أن لديهن نقائص كلامية أكثر من البنات ".
" يعتبر النمو اللغوي في هذه المرحلة
بالغ الأهمية بالنسبة للنمو الاجتماعي والنمو الانفعالي , فالطفل يدخل المدرسة وقائمة
مفرداته تضم أكثر من 2500 كلمة, وتزداد المفردات بحوالي 50% عن ذي قبل في هذه المرحلة
, ويقول ( زهران ) أن هذه المرحل مرحلة الجمل المركبة الطويلة , ولا يقتصر الآمر على
التعبير الشفوي بل التعبير التحريري , وتنمو القدرة على التعبير اللغوي التحريري مع
مرور الزمن وانتقال الطفل من صف إلى آخر في المدرسة ويلاحظ انه على طلاقه التعبير التحريري
التغلب على صعوبات الخط والهجاء " .
" أن نمو الطفل اللغوي يكتمل بصورة
كبيرة بمرور الوقت ودخوله في طفولته المتأخرة , ومن جانب آخر فان نمو اللغة جدير بالاهتمام
في كل من المفردات اللغوية , والفهم واستخدام الجمل والتركيب اللغوي فيما بين 6 –
10سنوات , فاستخدام اللغة مرتبط بالفهم الجيد لتعبيرات كثيرة , فطفل الرابعة قد يقول
أن عشرة قطع نقدية أكثر من أربعة قطع نقدية , بسبب تمكنه رؤية الاختلاف , بينما طفل
السادسة يعطي نفس الاستجابة بسبب تقديره العقلاني للعملة , فكل من طفل الرابعة والسادسة
اجري تمييزاً ناجحاً واستخدما التعبيرات الصحيحة , إلا أن فهمهما لهذه التعبيرات تختلف
فقدرة الطفل على استخدام اللغة بصورة صحيحة عادة ما تشير إلى عمق الفهم والإدراك لديه
" .
أما عن عيوب الكلام فليست الدرجة التي عليها
في المرحلة السابقة , فالتهتهة واللجلجة وإبدال الحروف وكل صور الحبسة التي تظهر عند
الطفل في مرحلة نموه السابقة قد تظل كما هي بمرور الزمن ما لم تبذل جهود علاجية لتصحيحها
, ولان هذه الاضطرابات جميعاً تعود بأصولها إلى التوتر العصبي فإنها قد تزداد سوءا
بدخول الطفل المدرسة بسبب الارتباك الذي سوف يعانيه حين يضحك الأطفال على طريقته في
الكلام , أما عن محتوى كلام الطفل فإنه اقل تمركزا حول الذات من الطفولة المبكرة ,
وانتقاله من التمركز حول الذات إلى ما يسميه ( بياجية Piaget
) اللغة الاجتماعية " .
النمو الانفعالي :
" تتميز هذه المرحلة بالهدوء والثبات
الانفعالي , وهي سمة غالبة على الجانب الانفعالي طول المرحلة , ولا يعني الهدوء الانفعالي
أن الطفل لا يغضب , ولكن الطفل في هذه المرحلة يغير من طريقة تعبيره عن انفعالاته
, فلم يعد الطفل الذي يضرب الأرض برجليه ويصرخ عندما لا يجاب إلى طلبه , بل أصبح يسلك
بطريقة مختلفة , فهو قد يحتج لفظياً , وقـد يناقش مشروعية طلبـه , وقـد يعانـــــد
إذا لم يقتنـع " .
والانفعالات الشائعة في هذه المرحلة هي
نفسها انفعالات مرحلة الطفولة المبكرة , إلا أنها تختلف في طبيعة المواقف الذي تستثير
الانفعالات وصور التعبير عن هذه الانفعالات , ومن أهم مظاهر الانفعالات هي الخوف Fear والغضب
Rage والغيرة
Jealousy :
الخوف Fear
:
" أن الخوف انفعال طبيعي عند الإنسان
إلا أنه قد يتحول إلى خوف مرضي (فوبيا) إذا زاد عن حده , ونلاحظ انه في الوقت الذي
تتناقص فيه المخاوف المستثارة من الأشياء المحسوسة تزداد المخاوف من الأشياء المتخيلة
ومن ذلك الظلام وما يرتبط به ( كالجن والغوله ) , وتظهر أنواع جديدة من المخاوف مثل
الخوف من أن يوصف الطفل بأنه مختلف عن أقرانه فيتعرض للسخرية منهم , والخوف من الفشل
في المهام التي يقوم بها , وحتى لا تبدو عليه أعراض الخوف أمام أقرانه فيسخرون منه
يحاول الطفل في هذه المرحلة أن يتجنب قدر الإمكان أن يضبط متلبساً بحالة الخوف".
الغضب Rage
:
" يعتبر الغضب من الانفعالات السائدة
التي يولد الطفل وهو مزود بها , فالطفل يتعلم من صغره أن يغضب من مواقف دون أخرى ,
وبتقدم العمر تتغير المواقف وتزداد الخبرات وينمو الإدراك المتصل بفهم العالم الخارجي
, وعادة ما يصحب الغضب تغيرات فسيولوجية مثل زيادة النبض أو ارتفاع الضغط والتوتر
, وفي مرحلة الطفولة المتأخرة يختلف التعبير عن الغضب في مثيراته عن المراحل السابقة
, ويغلب على التعبير عن الغضب في هذه المرحلة كثرة المضايقات الكلامية والتهكم والسخرية
, والواقع انه من مسببات الغضب من هذه المرحلة , مقاطعة الطفل أثناء قيامه بنشاط معين
, أو عندما ينتقده الآخرون باستمرار , أو عندما يقارن جهده بجهد ونشاط الآخرين , أو
في حالة النصائح والتوجيهات المستمرة".
الغيرة Jealousy
:
" يغار الطفل في هذه المرحلة من أقرانه
الذين يتفوقون عليه في التحصيل الدراسي , والذين يفوقونه في النمو الجسمي وفي الرياضة
البدنية , ويغار أيضا من الأطفال الآخرين الذين يحضي برعاية وحب الوالدين أكثر منه
, وعندما تدب الغيرة في نفس الطفل , نجده يوشي بأخيه الذي يغار منه وينسب إليه المخالفات
التي تغضب الوالدين" .
" ويرى ( فرويد Freud )أن الغيرة
انفعال مركب , وان أهم مكوناتها هي خوف الفرد من فقدان من يحب وكره لمنافسه ورغبته
في إيذائه , وشعوره بالنقص , ونقده الحاد للذت الذي قد يتحول إلى الشعور بالذنب
".
النمو الاجتماعي :
يتأثر الأطفال في نموهم الاجتماعي بالأفراد
الدين يتفاعلون معهم وبالثقافة التي تهيمن على أسرتهم ومدرستهم ومجتمعهم , وتعتمد حياة
الطفل الاجتماعية في نموها على العلاقات الاجتماعية والتي تبدأ من علاقته بأمه , وتتطور
بعلاقته بأفراد أسرته , ثم تتطور وتنتهي بعلاقته بالمدرسة والمجتمع , وتعتبر هذه العلاقات
الاجتماعية هي الدعامة الأولى للحياة الاجتماعية , وهي التي تؤثر في نموه وتوجيه سلوكه
.
" أن الطفل في هذه المرحلة يحرز تقدماً
كبيراً في الناحية الاجتماعية , وفي الحقيقة أن هذا التقدم متوقع بناء على الصفة التلازمية
والعلاقات الايجابية الموجودة بين جوانب النمو , لان الطفل يحرز تقدماً كبيراً في مجال
النمو العقلي والادراكي وفي مجال النمو العقلي , وهذا التقدم يفسح الطريق أمام الطفل
لينفتح على البيئة والوسط الذي يعيش فيه محققاً تقدماً مماثلاً في الجانب الاجتماعي
, ويدرك الطفل في هذه المرحلة ما حوله ويتفاعل معه , ويقبل معايير المجتمع وثقافته
ويعمل بها ويحرص على ألا يأتي سلوكاً يتنافى معها , وكأنه يريد أن يثبت للمحيطين به
انه أصبح رجلاً , ولم يعد ذلك الطفل الصغير , والطفل لا يفعل ذلك كله انصياعاً للكبار
فقط , ولكن لان هذه الأساليب السلوكية وهذه الاتجاهات العقلية والاجتماعية تلقي في
نفسه قبولاً حسناً أيضا , ولأنه يجد في ذلك تحقيقاً لذاته" .
" ويتطور الطفل في تكوينه الاجتماعي
, حيث تظهر علاقات اجتماعية خارج نطاق الأسرة , فيها نشاط تعاوني اجتماعي واستقلالي
ذاتي في نفس , كما يبدأ الطفل تدريجياً في تكوين معاييره الاجتماعية الخاصة , وتعتبر
هذه الدلائل أسس النضج الاجتماعي الذي يؤهله للتحول الاجتماعي بمداه الواسع في المراهقة
, وفي هذه المرحلة من العمر يتميز الطفل بوضوح الشعور بالذات , فيزداد إدراكه لذاته
وإدراكه لغيره وضوحاً , ويعد ذلك التغير أساسا نتيجة لقضاء الطفل معظم وقته خارج المنزل
بعيداً عن حماية الوالدين".
" ويعتمد توافق الطفل مع متطلبات المرحلة
الجديدة على كيفية إعداد الأسرة له في مراحل نموه السابقة , فالانتقال إلى المدرسة
يمثل خسارة للطفل إذا ما كان يتمتع بوضع خاص داخل الأسرة بسبب التدليل أو رغبة الوالدين
في توفير الحماية الزائدة له , ونظراً لتماسك الطفل بالرغبة في الشعور بالاستقلال إلى
حد ما , فقد يجد بعض المصاعب في عمليات توافقه , لان المدرسة تتطلب الاندماج في المجموعة
والانقياد لها , كما يتطلب الآمر الانقياد للمدرسين أيضا الذين يقررون ما يصلح وما
لا يصلح للتلميذ , ويرى ( اريك اريكسون E.Erikson ) بان المدرسة تعمل على تعليم الطفل مهارات جديدة في العمل , كما تدربه
على عمليات التوافق الاجتماعي , وعلى أساليب التوافق مع الآخرين , وذلك جنباً إلى جنب
مع عمليات اكتساب المهارات العلمية , وتعمل القيم المدرسية على توجيه سلوك الطفل بطريقة
غير مباشرة , كما تجعل عمليات التقييم المدرســـي الطفل يعرف أوجه الشبه والاختلاف
بينه وبين غيره ".
إذن المدرسة ليست مكان يتلق فيه الطفل العلوم
فقط بل أكثر من ذلك بكثير , فهي بجانب أنها مكان لتلقي العلوم فهي أيضا تساهم في تشكيل
وبناء شخصية الطفل وتربيته بعدة وسائل كالنشاط الرياضي والاجتماعي والثقافي .
ففي بداية التحاق الطفل إلى المدرسة تتزايد
مجموعة الرفاق التي يتعامل معها في العدد والأهمية , حيث يجد الطفل نفسه مع عدد كبير
من الأقران من نفس عمره مع اختلاف اتجاهاتهم , يحاولون تحدي العوائق الاجتماعية داخل
المكان الجديد لذلك يتخذ الالتصاق والتقارب مع الرفاق عمقاً جديداً وقوة اكبر من تخلص
الطفل من التمركز حول الذات , ويؤكد ( مارتن وستندلر Martin
& Stendeler )أن جماعة
الرفاق لها آثارها الهامة في النمو الاجتماعي للطفل عن طريق عوامل مختلفة, حيث تمده
بالثواب والذاتية الخاصة , كما يرى في رفاقه النموذج الذي يريد إتباعه "
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق